المقاربات

مقاربات تعزز الشيخوخة النشطة

حقوق الإنسان لا تزول مع التقدم في السن. من هذا المنطلق، تشكل المقاربة الحقوقية لقضايا كبار السن الركيزة الأولى لوضع السياسات المتعلقة بهم. وينبغي أن تتسق هذه السياسات مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وأن تسعى إلى ترجمة ما في هذه المواثيق من مبادئ إلى واقع ملموس يؤمن الحياة اللائقة لكبار السن.

تراعي مقاربة دورة الحياة في عملية وضع السياسات مختلف المراحل العمرية من الطفولة إلى الشيخوخة وترابط هذه المراحل ببعضها البعض. فالرعاية الصحية الجيدة خلال فترة الحمل والطفولة والرشد، واعتماد سلوكيات صحية ونمط حياة نشط يساهمان في صحة أفضل للأشخاص على المدى الطويل. وتساهم برامج التأمين والادّخار للأشخاص في سن العمل في تأمين دخل أفضل في مرحلة الشيخوخة. أما التعلُّم، فلا يقتصر على المرحلة الدراسية التقليدية، بل يتخطاها إلى التعلُّم مدى الحياة لمواكبة التطورات المعرفية والتكنولوجية، مما يعزز قدرة الأشخاص في مرحلة الشيخوخة على الاندماج الاقتصادي والاجتماعي. وبالتالي، لا تقتصر فوائد اعتماد مقاربة دورة الحياة على كبار السن فقط، بل تشمل كافة فئات المجتمع.

tab img

تستمر الفجوة بين الرجال والنساء في المنطقة العربية حتى مرحلة التقدّم في السن، فتبدأ في الطفولة وتتزايد في مرحلة الشيخوخة، حيث تتجلى أشكال عدم المساواة بين كبار السن من النساء والرجال، لأن معظم الدول العربية تستثني شرائح كبيرة من النساء من نُظُم الحماية والضمان الاجتماعي، نظراً لتدني نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، لا سيما النظامية. وبالتالي، تصبح النساء من كبار السن الأكثر عرضة للفقر والعوز في الشيخوخة. وعلى الرغم من أن المرأة تعمّر أكثر من الرجل، فهي أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة والإعاقة. كما تزداد الفجوة في مستويات التعليم بين كبار السن من الرجال والنساء. وبالنتيجة، على السياسات، ومن ضمنها تلك المتعلقة بكبار السن، أن تراعي منظور المساواة بين المرأة والرجل لضمان الشيخوخة بكرامة للجميع.

تشكل الأسرة في العالم العربي المصدر الأساسي لرعاية كبار السن. إلا أن لكبار السن دوراً أساسياً في تقديم الدعم لأسرهم ومجتمعاتهم من خلال الخدمات التي يقدمونها، ومنها مثلاً رعاية بعض أفراد الأسرة كالأطفال وكبار السن الأكبر منهم عمراً، والمساهمة المادية من خلال المدخرات والمعاشات التقاعدية والأملاك، ومشاركة خبراتهم ومعارفهم مع الأجيال الأصغر سناً. وغالباً ما يتم إغفال هذا الدور الذي يؤديه كبار السن، بل وتسود صورة نمطية سلبية عنهم. وبالتالي، من الضرورة أن تعتمد السياسات مقاربة تعزز تبادل الدعم بين الأجيال وتشجع على إنشاء مجتمعات تقوم على التعاضد بين مختلف الفئات العمرية.

للتمكن من إدماج الشيخوخة في عملية وضع السياسات، يحتاج صانعو القرار إلى الاستناد إلى الأدلة العلمية والبيانات المحدثة والمفصّلة، وذلك لتطوير سياسات تستجيب للتحديات والأولويات وتستهدف الفئات الأكثر ضعفاً. وتشكل ندرة البيانات المتعلقة بمختلف القطاعات والمفصّلة حسب الفئات العمرية إحدى أبرز المصاعب التي تواجه الحكومات في المنطقة العربية.

مبدأ الشراكة بين مختلف أصحاب المصلحة أساسي للتمكن من إدماج الشيخوخة في عمليّة وضع السياسات. ويتعدد أصحاب المصلحة من ممثلي القطاعات الحكومية ذات الصلة والبرلمانيين والهيئات المحلية والمؤسسات المختصة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص بالإضافة إلى كبار السن أنفسهم. ويساهم إشراك أصحاب المصلحة في تطوير سياسات متناسقة وأكثر استجابة لأولويات كبار السن، كما تساهم عملية وضع السياسات التي تقوم على الشراكة في رفع وعي مختلف المشاركين وقدراتهم، والبناء على خبراتهم ومعارفهم، وتحفيز فهم أعمق لقضايا كبار السن، وبناء التوافق حول السياسات.